الْحَمْدُ
للهِ الَّذِي غَرَسَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الإِخْبَاتَ
وَالإِذْعَانَ، وَجَعَلَ بُيُوتَاتِهِمْ عَامِرَةً بِالأَمْنِ
وَالاطْمِئْنَانِ، وَأَقَرَّ أَعْيُنَهُمْ بِصَلاَحِ الأَهْلِ
وَالْوِلْدَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ
شَرِيكَ لَهُ الْمُلْكُ الدَّيَّانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا
مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ إِلَى الإِنْسِ
وَالْجَانِّ، وَالْمَنْعُوتُ بِالْخُلُقِ الْعَظِيمِ فِي مُحْكَمِ
الْقُرْآنِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
ذَوِي الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ، وَالْمَوْعُودِينَ بِالنَّعِيمِ
وَالرِّضْوَانِ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَ
الْجَدِيدَانِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى
اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَأَكْرَمَهُ بِالسَّعَادَةِ
وَأَوْلاَهُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ طَاعَتِهِ خَسِرَ دُنْيَاهُ
وَأُخْرَاهُ، قَالَ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
فَازَ فَوْزاً عَظِيماً( [الأحزاب: 70-71].
وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ وَلَكِـنَّ التَّقِـيَّ هُوَ السَّـعِيدُ
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:
إِنَّ
مِنْ عَظِيمِ مَقَاصِدِ شَرِيعَتِنَا الْمُطَهَّرَةِ، وَمِنْ أَهْدَافِ
الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، إِقَامَةَ الْبَيْتِ الْمُسْلِمِ عَلَى
أَسَاسٍ مِنَ الْهُدَى وَالْحِكْمَةِ، حَيْثُ يَجِدُ فِيهِ أَهْلُهُ
الرَّاحَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ، وَتَغْشَاهُمْ فِيهِ السَّعَادَةُ
وَالسَّكِينَةُ، فَيتَرَعْرَعُ فِي كَنَفِ هَذَا الْبَيْتِ جِيلٌ صَالِحٌ،
وَتُرَفْرِفُ عَلَى جَنَبَاتِهِ رَايَاتُ الأُنْسِ وَالْمَوَدَّةِ
وَالتَّسَامُحِ، وَهَذِهِ الْبُيُوتُ الْمُطْمَئِِنَّةُ الْمُسْتَقِرَّةُ،
إِنَّمَا هِيَ مِنْ آيَاتِ اللهِ الْبَاهِرَةِ، وَذِكْرَى لِلْعُقُولِ
الْمُفَكِّرَةِ؛ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ
لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ( [الروم:٢١].
إِنَّ الْبَيْتَ الْمُسْلِمَ أَمَانَةٌ
يَحْمِلُهَا الزَّوْجَانِ، وَهُمَا أَسَاسُ بُنْيَانِهِ وَدِعَامَةُ
أَرْكَانِهِ، وَبِهِمَا يُحَدِّدُ الْبَيْتُ مَسَارَهُ، فَإِذَا
اسْتَقَامَا عَلَى مَنْهَجِ اللهِ قَوْلاً وَعَمَلاً، وَتَزَيَّنَا
بِتَقْوَى اللهِ ظَاهِراً وَبَاطِناً، وَتَجَمَّلاَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ
وَالسِّيرَةِ الطَّيِّبَةِ، غَدَا الْبَيْتُ مَأْوَى النُّورِ وَإِشْعَاعَ
الْفَضِيلَةِ، وَسَطَعَ فِي دُنْيَا النَّاسِ لِيُصْبِحَ مُنْطَلَقَ
بِنَاءِ جِيلٍ فَرِيدٍ، وَصِنَاعَةَ مُجْتَمَعٍ سَعِيدٍ، وَبِنَاءَ أُمَّةٍ
عَظِيمَةٍ، وَتَشْيِيدَ حَضَارَةٍ رَاقِيَةٍ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ r : «أَلاَ كُلُّكُمْ
رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى
النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ
عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ
عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ»
[أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
مِنْ
دَعَائِمِ الْبَيْتِ الْمُطْمَئِنِّ أَنَّهُ يَرُدُّ أَمْرَهُ إِلَى اللهِ
وَرَسُولِهِ r عَنْدَ كُلِّ خِلاَفٍ، وَفِي أَيِّ أَمْرٍ مَهْمَا كَانَ
صَغِيراً، وَكُلُّ مَنْ فِيهِ يَرْضَى وَيُسَلِّمُ بِحُكْمِ اللهِ: )وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً( [الأحزاب:36]،
وَحَيَاةُ الْبَيْتِ الْمُسْلِمِ وَسَعَادَتُهُ وَأُنْسُهُ وَلَذَّتُهُ فِي
ذِكْرِ اللهِ، فَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ r: «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ
الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ»
[أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي
بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وَعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «لاَ تَجْعَلُوا
بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ
الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]،
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ t قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «صَلُّوا أَيُّهَا
النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ
فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ]، فَهَذِهِ
الأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ إِحْيَاءِ بُيُوتِ
الْمُسْلِمِينَ بِالصَّلاَةِ، وَتَنْوِيرِهَا بِذِكْرِ اللهِ مِنَ
التَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:
)الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ
بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ( [ الرعد: ٢٨]، وَإِذَا خَلَتِ
الْبُيُوتُ مِنَ الصَّلاَةِ وَالذِّكْرِ صَارَتْ قُبُوراً مُوحِشَةً،
وَأَطْلاَلاً خَرِبَةً، وَلَوْ كَانَتْ قُصُوراً مُشَيَّدَةً، فَإِنَّهَا
بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ وَالْقُرْآنِ تَغْدُو الْبُيُوتُ خَامِلَةً
وَمَرْتَعاً لِلشَّيَاطِينِ، سُكَّانُهَا مَوْتَى الْقُلُوبِ، وَإِنْ
كَانُوا أَحْيَاءَ الأَجْسَادِ.
وَأَرْوَاحُهُمْ فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِهِمْ وَأَجْسَادُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ
مَعْشَرَ الْعُقَلاَءِ:
وَمِنْ
دَعَائِمِ الْبُيُوتِ الْمُطْمَئِنَّةِ تَعَاوُنُ أَفْرَادِهَا عَلَى
الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ، فَضَعْفُ إِيمَانِ الزَّوْجِ تُقَوِّيهِ
الزَّوْجَةُ، وَاعْوِجَاجُ سُلُوكِ الزَّوْجَةِ يُقَوِّمُهُ الزَّوْجُ،
تَكَامُلٌ وَتَعَاضُدٌ، وَنَصِيحَةٌ وَتَنَاصُرٌ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ
اللهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِrيُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا
أَوْتَرَ قَالَ: قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «رَحِمَ اللَّهُ
رَجُلاً قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ،
فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً
قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى
نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ].
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
يُؤَسَّسُ
الْبَيْتُ الْمُطْمَئِنُّ عَلَى عِلْمٍ وَعَمَلٍ، عِلْمٍ يَدُلُّهُ عَلَى
الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَيُبَصِّرُهُ بِسُبُلِ الْجَحِيمِ، عِلْمٍ
بِفِقْهِ الطَّهَارَةِ وَأَحْكَامِ الصَّلاَةِ وَآدَابِ الاسْتِئْذَانِ،
وَمَسَائِلِ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ، لاَ يَجْهَلُ أَهْلُ الْبَيْتِ
أَحْكَامَ الدِّينِ، فَهُمْ يَنْهَلُونَ مِنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ.
وَوَسَائِلُ التَّعَلُّمِ فِي عَصْرِنَا كَثِيرَةٌ مَيْسُورَةٌ، يَقُولُ
اللهُ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا
مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ( [التحريم:6]، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:
«حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَلِّمَ أَهْلَهُ».
مَعْشَرَ الأَزْوَاجِ:
مِنْ
سِمَاتِ الْبَيْتِ الْمُطْمَئِنِّ: الْحَيَاءُ، وَبِهِ يُحَصِّنُ
الْبَيْتُ كِيَانَهُ مِنْ سِهَامِ الْفَتْكِ، وَوَسَائِلِ الشِّرِّ الَّتِي
تَدَعُ الدِّيَارَ بَلاَقِعَ، فَلاَ يَلِيقُ بِبَيْتٍ أُسِّسَ عَلَى
التَّقْوَى أَنْ يُهْتَكَ سِتْرُهُ، وَيُنْقَضَ حَيَاؤُهُ، وَيُلَوَّثَ
هَوَاؤُهُ بِمَا يَخْدِشُ الْحَيَاءَ، مِنْ إِعْلاَمٍ هَابِطٍ وَأَغَانٍ
مَاجِنَةٍ، أَوْ نَبْذٍ لِلْحِجَابِ وَتَشَبُّهٍ بِأَعْدَاءِ الإِسْلاَمِ،
كُلُّ ذَلِكَ يَنْخَرُ كَالسُّوسِ فِي كِيَانِ الْبَيْتِ الْمُسْلِمِ،
وَيَجْعَلُهُ بُؤَراً تَفْتَحُ مَغَالِيقَ الشَّرِّ، وَتَدَعُ الْعَامِرَ
خَرَاباً.
وَمِنْ سِمَاتِ الْبَيْتِ الْمُطْمَئِنِّ: أَنَّ أَسْرَارَهُ
مَحْفُوظَةٌ، وَخِلاَفَاتِهِ مَسْتُورَةٌ، لاَ تُفْشَى وَلاَ تُسْتَقْصَى؛
فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّ
مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ
سِرَّهَا» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
إِنَّ الْكَـرِيمَ الَّذِي تَبْقَى مَوَدَّتُـهُ وَيَحْفَظُ السِّرَّ إِنْ صَافَى وَإِنْ صَرَمَا
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
الْبَيْتُ
الْمُطْمَئِنُّ: تَتَعَمَّقُ الصِّلَةُ فِيهِ، وَتَزْدَادُ رُسُوخاً
بِإِحْيَاءِ مَعَانِي التَّعَاوُنِ فِي مُهِمَّاتِ الْبَيْتِ
وَأَعْمَالِهِ، وَلَنَا فِي رَسُولِ اللهِ r أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فَحِينَ
سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مَا كَانَ رَسُولُ
اللَّهِrيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ أَجَابَتْ: «كَانَ بَشَرًا مِنْ الْبَشَرِ
يَفْلِي[أَيْ: يُنْقِي] ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ
نَفْسَهُ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ]، وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ يَكُونُ فِي
مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ
الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ].
إِنَّ
السَّعَادَةَ فِي الْبُيُوتَاتِ لاَ تَتَحَقَّقُ بِتَوَافُرِ الْمَسْكَنِ
الْفَاخِرِ، وَالأَثَاثِ الْفَارِهِ، وَالْمَلاَبِسِ الثَّمِينَةِ
فَحَسْبُ، هَذَا فَهْمٌ خَاطِئٌ لِلسَّعَادَةِ، فَالسَّعَادَةُ تَتَوَفَّرُ
بِتَحْقِيقِ تَقْوَى اللهِ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ،
وَمُرَاقَبَتِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، تَتَحَقَّقُ السَّعَادَةُ
بَأَنْ يَنْظُرَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَى الزَّوَاجِ عَلَى أَنَّهُ
عِبَادَةٌ يَتَقَرَّبُ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى اللهِ بِأَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ
الزَّوْجِيَِّةِ بِإِخْلاَصٍ وَإِتْقَانٍ، فِي ظِلِّ هَذِهِ الْمَعَانِي
يَقُومُ الْبَيْتُ الْمُسْلِمُ عَامِراً بِالصَّلاَةِ وَالْقُرْآنِ،
تَظَلِّلُهُ الْمَحَبَّةُ وَالْوِئَامُ، وَتَنْشَأُ الذُّرِّيَّةُ
الصَّالِحَةُ فَتَكُونُ قُرَّةَ عَيْنٍ لِلْوَالِدَيْنِ، وَمَصْدَرَ خَيْرٍ
لَهُمَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ:
)الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ *
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء
وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ
السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ
يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ
وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ
* سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ( [الرعد:
٢٠ – ٢٤].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ،
وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، عَلَيْهِ
أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ
وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ
فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.