انتهت مفاوضات ميخائيل مارغيلوف مبعوث الرئيس الروسي للشؤون الإفريقية، ورئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الاتحاد الروسي إلى طريق مسدود، وفق تقديرات مصادر دبلوماسية روسية.
وجاء تقييم موسكو لمسار تسوية الأزمة الليبية بعد محادثات مارغيلوف مع وزير الخارجية الليبي عبدالعاطي العبيدي ورئيس الوزراء البغدادي المحمودي في طرابلس، التي كان من أبرز نتائجها رفض القذافي للتنحي عن مناصبه.
وكانت مهمة الوساطة التي بدأها مارغيلوف بتكليف من الرئيس مدفيدف قد أتت بناء على طلب الدول الثماني الكبار، منذ عدة ايام، حيث أجرى سلسلة لقاءات مع أعضاء المجلس الوطني المعارض لم تتمكن من إيجاد مخرج لمصير القذافي خلال المرحلة القادمة.
وقد بدأت مساعي موسكو لإيقاف إطلاق النار بعد توسع عمليات الناتو العسكرية، حيث التقى سيرجي لافروف وزير الخارجية في موسكو مع عبدالرحمن شلقم كممثل عن المجلس الوطني، ومحمد الشريفي كممثل سلطات طرابلس، وبحث معهما بشكل منفصل بنود تسوية التي اعتبرتها روسيا تطويراً لمبادرة الاتحاد الإفريقي.
وتضمنت هذه التسوية ايقاف العمليات العسكرية ضد قوات القذافي وقوات المعارضة وإطلاق النار بشكل عام، وتأسيس مجلس مؤقت مشترك لإدارة شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية، وتأمين المساعدات الإنسانية لكافة المناطق في ليبيا، وبدء الحوار السلمي بهدف التوصل لتسوية ترضي الشعب الليبي.
خلافات في تحديد مصير القذافي
ويرتكز الخلاف بين مقترحات الخارجية الروسية ومبادرة مبعوث الرئيس مدفيدف في تحديد مصير الرئيس الليبي، وفيما ترك لافروف مصير القذافي معلقاً خارج إطار المقترحات الروسية.
وتضمنت أفكار مارغيلوف مبعوث الرئيس الروسي بنداً ينصّ على دعوة القذافي للتنحي عن مناصبه السياسية والاختيار بين البقاء في ليبيا كمواطن عادي أو مغادرة البلاد، ما اعتبره البعض مكسباً انتزعته موسكو من المعارضة الليبية بقيادة المجلس الوطني والتي أعلنت على لسان ممثلها وممثل ليبيا السابق في الأمم المتحدة عبدالرحمن شلقم أنها على استعداد لبحث أي مقترحات لتسوية الأزمة بعد تنحي القذافي ومغادرته البلاد.
واعتبرت مصادر في الكرملين أن محادثات مبعوث الرئيس الروسي مع ممثلي القذافي توصلت لمعطيات جديدة يمكن أن تكون اساساً صالحاً لإيقاف عمليات الناتو العسكرية ضد قوات القذافي ولتسوية الأزمة الليبية. ومن أهم البنود التي وافقت عليها سلطات طرابلس كخطوات أساسية في تسوية الأزمة هي وقف إطلاق النار وبدء حوار واسع النطاق حول مستقبل البلاد على أرض محايدة، يتضمن إعداد دستور للبلاد وإجراء انتخابات ديمقراطية، وقبول سلطات طرابلس بإشراف بعثة مشتركة للامم المتحدة والاتحاد الإفريقي لمراقبة عملية نزع السلاح من السكان وإجراء الحوار السياسي.
وأعلنت موسكو منذ بداية تحركها أنها لن تلعب دور الوسيط بين طرفي النزاع، وستكتفي بدعم مبادرة الاتحاد الإفريقي وجهود الأمم المتحدة، وعكست لقاءاتها مع أطراف النزاع الليبي خلافاً داخل مراكز صناعة القرار في الكرملين.
صدام بين الحضارات
وقد كشفت تصريحات الخارجية الروسية والكرملين تبايناً في مواقف ليس فقط إزاء مصير القذافي، وإنما في اسلوب تحرك روسيا على صعيد تسوية الأزمة الليبية، ما اعتبره العديد من المحللين استمراراً للخلاف في تقييم تطورات الأزمة الليبية الذي برز بين بوتين ومدفيدف، عندما انتقد الرئيس الروسي مدفيدف تصريحات رئيس حكومته بوتين التي اعتبر فيها عمليات الناتو العسكرية معيبة وتشبه الحروب الصليبية في القرون الوسطى، وأدان القرار الذي يجيز بشكل فعلي التدخل في أراضي دولة ذات سيادة. واعتبر مدفيدف هذا التصريح لا يتحلى بالدقة ومرفوضاً لأنه يستخدم عبارات تؤدى لصدام بين الحضارات.
وحمل مدفيدف مسؤولية ما يحدث للقذافي بدءاً من قمع وترويع مواطنيه، ومروراً بنهب ثروات الشعب الليبي، وانتهاءً بقتل أبناء شعبه الذين تحركوا لشكل سلمي في مختلف المدن الليبية، لتغيير هذا النظام الفاسد الديكتاتوري، بل واعتبر أن القذافي لم يعد له مكان في الحياة السياسية الليبية المستقبلية التي تسعى لبناء نظام ديمقراطي.
والجدير بالذكر أن مارغيلوف مبعوث الرئيس الروسي لشؤون إفريقيا، اعتبر أن القذافي مازال لديه وقت كاف للتفكير في ضرورة وأسلوب اعتزاله الحياة السياسية، ملوحاً بإمكانية محاكمته دولياً على ما يحدث في بلاده، ما دفع بعض المحللين للاعتقاد بأن مارغيلوف كان يحمل رسالة من قادة الثماني الكبار للقذافي تضمنت إنذاراً بضرورة التنحي من مناصبه، أو تعرضه للمسألة أمام المحكمة الدولية.